الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والمعنى على زيادة الباء أي لا يقرأن السور، وقد تقدم بحث زيادة الباء وعبارة أبي البقاء: قوله تعالى: {باسم ربك} قيل الباء زائدة كقول الشاعر: وقيل دخلت لتنبّه على البداية باسمه في كل شيء كما قال تعالى: {بسم اللّه الرحمن الرحيم} فعلى هذا يجوز أن يكون حالا أي مبتدئا باسم ربك.و{الذي} نعت للرب وهو في محل جر وجملة {خلق} لا محل لها لأنها صلة الذي والضمير فيه يعود على {الذي} و{خلق الإنسان} بدل منه ويجوز أن يكون تأكيدا لفظيا فيكون قد أكد الصلة وحدها و{الإنسان} مفعول به و{من علق} متعلقان بـ: {خلق}.{اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم الَّذِي عَلَّمَ بالقلم} {اقرأ} فعل أمر تأكيد لاقرأ الأول والواو استئنافية ويجوز أن تكون للحال و{ربك} مبتدأ و{الأكرم} خبره وهذا ما رأيناه وأعربها ابن خالويه نعتا فتكون جملة {علّم الإنسان} هي الخبر، والأول أولى، و{الذي} خبر ثان وأعربها ابن خالويه نعتا ثانيا ولسنا نرى هذا الرأي، وجملة {علّم} صلة وفاعل {علم} مستتر يعود على اللّه ومفعولاه محذوفان أي علّم الإنسان الحظ بالقلم وبالقلم متعلقان بـ: {علم} والواقع أنها متعلقة بالخط.{عَلَّمَ الإنسان ما لَمْ يعلم} جملة {علّم الإنسان} تأكيد لـ: {علم} الأولى أو بدل أو خبر كما تقدم و{الإنسان} مفعول به أول و{ما} اسم موصول مفعول به ثان وجملة {لم يعلم} صلة {ما} والعائد محذوف أي لم يعلمه.{كَلَّا إِنَّ الإنسان ليطغى} {كلا} ردع وزجر لمن كفر بنعمة اللّه عليه بطغيانه و{إن} واسمها واللام المزحلقة وجملة يطغى خبر إن ولا أدري لم تهرب المعربون من الردع وهو أوضح من كل ما قدّروه وإليه ذهب الزمخشري أما الجلال فإنه تبع الكسائي فجعلها بمعنى حقا قال الكرخي: قوله- أي الجلال- حقا هو مذهب الكسائي ومن تبعه لأنه ليس قبله ولا بعده شيء يكون كلا ردا له كما قالوا: {كلا والقمر} فإنهم قالوا معناه إي والقمر ومذهب أبي حيان أنها بمعنى ألا الاستفتاحية وصوّبه ابن هشام لكسر همزة إن بعدها أي لكونه مظنة جملة كما بعد حرف التنبيه نحو {ألا إنهم هم المفسدون} ولو كانت بمعنى حقا لما كسرت إن بعدها لكونها مظنة مفرد، أما الكواشي فأجاز في كلا أن تكون تنبيها فيقف على ما قبلها وردعا فيقف عليها، أما ابن خالويه فقد لفّق تلفيقا عجيبا مضحكا قال: {كلا} يبتدأ به هاهنا لأنه بمعنى نعم حقا وليس ردا. وهذا كلام لا مفهوم له، والحق أن {كلا} حرف ردع وزجر كما قال سيبويه وقال الزجّاج {كلا} ردع وتنبيه وذلك قولك كلا لمن قال لك شيئا تنكره نحو فلان يبغضك وشبّهه أي ارتدع عن هذا وتنبه عن الخطأ فيه قال اللّه تعالى بعد قوله: {ربي أهانن كلا} أي ليس الأمر كذلك لأنه قد يوسع في الدنيا علي من لا يكرمه من الكفار وقد يضيق على الأنبياء والصالحين للاستصلاح.{أَنْ رَآهُ استغنى} {أن} حرف مصدري ونصب وهي مع مدخولها في تأويل مصدر مفعول لأجله و{رآه} فعل ماض والفاعل هو والهاء مفعول به أول وجملة {استغنى} مفعول به ثان والهاء تعود على {الإنسان} ومعناه أن رأى نفسه.وعبارة ابن خالويه جيدة قال: فإن قيل لك: فهل يجوز أن تقول زيد ضربه والهاء لزيد؟ فقل ذلك غير جائز إنما الصواب ضرب زيد نفسه لأن الفاعل بالكلية لا يكون مفعولا بالكلية وإنما جاز ذلك في {أن رآه} لأنه من أفعال الشك والعلم نحو ظننتني فإذا ثنّيت هذا الحرف قلت إن الإنسانين ليطغيان أن رأياهما استغنيا وكلا إن الأناسي ليطغون أن رأوهم استغنوا وتقول للمرأة إذا خاطبتها كلا إنك لتطغين أن رأيتك استغنيت وكلا إنكما لتطغيان أن رأيتما كما استغنيتما وكلا إنكنّ لتطغين أن رأيتنّكنّ استغنيتنّ.{إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرجعى} كلام مستأنف مسوق لمخاطبة الإنسان الطاغي بطريق الالتفات و{إن} حرف مشبه بالفعل و{إلى ربك} خبر إنّ المقدم و{الرجعى} اسمها المؤخر.{أَرَأَيْتَ الَّذِي ينهى عَبْدًا إِذا صلى} روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم فقيل نعم فقال واللات والعزّى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته ولأعفرنّ وجهه في التراب، قال: فأتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته قال فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبه ويتقي بيديه فقيل له ما لك؟ قال إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوا عضوا».{أرأيت}: تقدم القول أنها إذا كانت بمعنى أخبرني كما هنا فإنها تتعدى إلى مفعولين ثانيهما جملة استفهامية وقد تقدم هذا غير مرة وهنا قد ذكرت ثلاث مرات وقد صرح بعد الثالثة منها بجملة استفهامية فتكون في موضع المفعول الثاني لها ومفعولها الأول محذوف وهو ضمير يعود على {الذي ينهى عبدا} الواقع مفعولا أول لـ: {أرأيت} الأولى وأما {أرأيت} الأولى فمفعولها الأول {الذي} ومفعولها الثاني محذوف وهو جملة استفهامية كالجملة الواقعة بعد {أرأيت} الثالثة وأما {أرأيت} الثانية فلم يذكر لها مفعول لا أول ولا ثان فحذف الأول لدلالة المفعول الأول من {أرأيت} الأولى عليه وحذف الثاني لدلالة مفعول {أرأيت} الثالثة فقد حذف الثاني من {أرأيت} الأولى والأول من الثالثة والاثنان من الثالثة وليس ذلك من باب التنازع لأن التنازع يستدعي إضمارا والجمل لا تضمر إنما تضمر المفردات وإنما ذلك من باب الحذف للدلالة وجملة {ينهى} صلة لا محل لها و{عبدا} مفعول {ينهى} و{إذا} ظرف لما يستقبل من الزمن لمجرد الظرفية متعلق بنهي.{أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الهدى أَوْ أَمَرَ بالتقوى} {أرأيت} الهمزة للاستفهام ورأيت فعل وفاعل ومعناه أخبرني و{إن} شرطية و{كان} فعل ماض ناقص وهو في محل جزم فعل الشرط وسيأتي الكلام على الجواب واسمها مستتر تقديره هو و{على الهدى} خبره و{أو} حرف عطف و{أمر} فعل ماض وفاعله هو عطف على {كان} {على الهدى} و{بالتقوى} متعلقان بـ: {أمر}.{أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وتولى أَلَمْ يعلم بِأَنَّ اللَّهَ يرى} {أرأيت}: أخبرني، و{إن} شرطية و{كذب} فعل ماض في محل جزم فعل الشرط {وتولى} عطف على {كذب} وسيأتي الكلام على الجواب أيضا، والهمزة للاستفهام للتقرير والتعجب ولم حرف نفي وقلب وجزم و{يعلم} فعل مضارع مجزوم بلم والباء حرف جر زائد وأن واسمها وجملة {يرى} خبرها وأن وما بعدها سدّت مسدّ مفعولي {يعلم}، أما جواب الشرط الذي في حيز الثانية والثالثة فمحذوف يدل عليه الجملة الاستفهامية والتقدير إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أفلم يعلم ذلك الناهي بأن اللّه يرى وتقديره في الثالثة إن كذب وتولى أفلم يعلم بأن اللّه يرى أي على تقدير الفاء.ونحا الزمخشري في إعراب هذه الآيات نحوا آخر ننقله لك لننقل بعده ردّ أبي حيان فترى كيف يشتجر الخلاف حول الإعراب وفي ذلك مصقلة للعقل ومجلاة له وملخص إعراب الزمخشري: إن {أرأيت} الأولى مفعولها الموصول وإن الثانية زائدة مكررة لتوكيد الأولى وإن المفعول الثاني للأولى هو جملة الشرط الذي في حيّز الثانية مع جوابه المحذوف الذي يقدّر جملة استفهامية وهي التي صرح بها في حيّز الثالثة وإن مفعول الثالثة الأول محذوف تقديره أرأيته وجملة الشرط الذي بعدها وجوابه وهو جملة الاستفهام المصرّح بها سادّة مسدّ المفعول الثاني.وقال في تقرير هذا الإعراب: فإن قلت كيف صحّ أن يكون {ألم يعلم} جوابا للشرط قلت كما صحّ في قولك: إن أكرمتك أتكرمني وإن أحسن إليك زيد هل تحسن إليه؟.وسخر أبو حيان من هذا الإعراب وقال: وما قرره الزمخشري هنا ليس بجار على ما قررناه فمن ذلك أنه ادّعى أن جملة الشرط في موضع المفعول الواحد والموصول هو الآخر وعندنا أن المفعول الثاني لا يكون إلا جملة استفهامية كقوله: {أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى أعنده علم الغيب}، {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب}، {أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه}، وهو كثير في القرآن فتخريج هذه الآية على ذلك القانون، ويجعل مفعول {أرأيت} الأولى هو الموصول وجاء بعده {أرأيت} وهي تطلب مفعولين و{أرأيت} الثانية كذلك فمفعول {أرأيت} الثانية والثالثة محذوف يعود على {الذي ينهى} فيهما أو على {عبدا} في الثانية وعلى {الذي ينهى} في الثالثة على الاختلاف السابق في عود الضمير، والجملة الاستفهامية توالى عليها ثلاثة طوالب فنقول حذف المفعول الثاني لـ: {أرأيت} وهو جملة الاستفهام الدّال عليه الاستفهام المتأخر لدلالته وحذف مفعول {أرأيت} الأخير لدلالة مفعول {أرأيت} الأولى عليه وحذفا معا لـ: {أرأيت} الثانية لدلالة الأولى على مفعولها ولدلالة الآخر لـ: {أرأيت} الثالثة على مفعولها الآخر، وهؤلاء الطوالب ليس على طريق التنازع لأن الجمل لا يصحّ إضمارها فإنما ذلك من باب الحذف في غير التنازع، وأما تجويز الزمخشري وقوع جملة الاستفهام جوابا للشرط بغير فاء فلا أعلم أحدا أجازه بل نصّوا على وجوب الفاء في كل ما اقتضى طلبا بوجه ما ولا يجوز حذفها إلا إن كان في ضرورة شعر.أما ابن خالويه فقد كان إعرابه مضحكا للغاية لأنه نسي أو تناسى أن هنالك مفاعيل محذوفة أو جوابا للشرط واكتفى باللفظ الظاهر وما أبعد هذا عن الإعراب لاسيما في مثل هذه الآيات.{كَلَّا لئن لم ينته لَنَسْفَعًا بالناصية ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطئة} {كلا} ردع وزجر لأبي جهل واللام موطئة للقسم لأنها داخلة على أداة شرط للإيذان بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها لا على الشرط ومن ثم تسمى اللام المؤذنة أو الموطئة لأنها وطأت الجواب للقسم أي مهّدته له وإن شرطية و{لم} حرف نفي وقلب وجزم و{ينته} فعل مضارع مجزوم بـ: {لم} وعلامة جزمه حذف حرف العلة، و{لنسفعا} اللام جواب القسم جريا على القاعدة المقررة من اجتماع قسم وشرط ونسفعا فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة وكتبت بالألف في المصحف على حكم الوقف والفاعل مستتر تقديره نحن و{بالناصية} متعلقان بنسفعا و{ناصية} بدل من {الناصية} وجاز إبدالها من المعرفة وهي نكرة لأنها وصفت والبصريون لا يشترطون في البدل المطابقة وقرئ بالرفع على تقدير هي وبالنصب على الذم و{كاذبة} و{خاطئة} نعتان، وسيأتي معنى وصفها بالكذب والخطأ في باب البلاغة.{فَلْيَدْعُ ناديه سَنَدْعُ الزبانية كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ واقترب} الفاء الفصيحة أي إن استمر في غلوائه وإن أصرّ على المعاندة والمكابرة فليدع، واللام لام الأمر ويدع فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة الجزم حذف الواو والفاعل مستتر تقديره هو، وسيأتي معنى دعوة النادي في باب البلاغة، والسين حرف استقبال وندعو فعل مضارع مرفوع، وقد أسقطت الواو من المصحف في كل واو ساكنة استقبلتها اللام الساكنة، و{الزبانية} مفعول به و{كلا} تأكيد للردع والزجر لأبي جهل و{لا} ناهية و{تطعه} فعل مضارع مجزوم بلا والفاعل مستتر تقديره أنت والهاء مفعول به {واسجد} فعل أمر {واقترب} عطف على {واسجد}.
|